فصل: تفسير الآية رقم (60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل فيما تضمنته الآية من حذف:

قال الواحِدِيُّ: في الكلام حذفٌ، وهو خبر ما؛ لأنَّكَ إذا جعلت غيره صفة لقوله: إله لم يبق لهذا المنفي خبر، والكلامُ لا يستقِلُّ بالصِّفةِ والموصوف، فإنَّكَ إذا قلتَ: زيدٌ العاقلُ وسكتَّ لم يُفِدْ ما لم تذكر خبره ويكون التَّقْدِيرُ: ما لكم من إله غيره في الوجود.
قال ابن الخطيب: اتَّفَقَ النَّحويُّونَ على أنَّ قولنا: لا إله إلا الله لابد فيه من إضمار، والتَّقْديرُ: لا إله في الوجود إلا الله ولا إله لنا إلا الله، ولم يذكروا على هذا الكلام حجَّةً، فنقولُ: لِمَ لا يجوز أن يقال: دخل حرف النَّفي على هذه الحقيقةِ وعلى هذه الماهِيَّةِ، فيكون المعنى أنَّهُ لا تحقق لحقيقة الإلهية إلا في حقِّ الله تعالى، وإذا حملنا الكلامَ على هذا المعنى استغنينا عن الإضْمَارِ الذي ذكروه.
فإنْ قالوا: صرف النفي إلى الماهِيَّةِ لا يمكنُ؛ لأنَّ الحقائِقَ لا يُمْكِنْ نَفْيُهَا، فلا يمكن أن يُقَال: لا سواد بمعنى ارتفاع هذه الماهِيَّةِ، وإنَّمَا الممكن أن يقال: إنَّ تلك الحَقَائِقَ غيرُ موجودة، ولا حاصلة، وحينئذٍ يجب إضمار الخبر فنقول: هذا الكلامُ بِنَاءٌ على أنَّ الماهيَّة لا يمكن انتِفَاؤُهَا وارتفاعها، وذلك بَاطِلٌ قطعًا، إذ لو كان الأمر كذلك؛ لوَجَبَ امتناعُ ارتفاع الوُجُودِ؛ لأنَّ الوُجُود أيضًا حقيقة من الحقائق، وماهيّة من المَاهِيَّات؛ فوجب ألاَ يرتفعَ الوُجودُ أيضًا، فإن أمكن ارتفاع الوُجُودِ مع أنَّهُ ماهيّة وحقيقة فلم لا يمكنُ ارتفعُ سائر الماهيَّاتِ. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (60):

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تم ذلك، وكان الحال مقتضيًا- مع ما نصب من الأدلة الواضحة على الوحدانية- لأن يجيبوا بالتصديق، كان كأنه قيل: فبماذا كان جوابهم؟ فقال: {قال الملأ} أي الأشراف الذين يملأ العيون مرآهم عظمة، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، ولم يصفهم في هذه السورة بالكفر لأن ذلك أدخل في التسلية، لأنها أول سورة قص فيها مثل هذا في ترييب الكتاب، ولأن من آمن به مطلقًا كانوا في جنب من لم يؤمن في غاية القلة، فكيف عند تقييدهم بالشرف! وأكد ذمهم تسلية لهذا النبي الكريم بالتعريف بقربهم منه في النسب بقوله: {من قومه} وقابلوا رقته وأدبه بغلطة مؤكدًا ما تضمنته من البهتان لأن حالهم مكذب لهم فقالوا: {إنا لنراك} أي كل واحد منا يعتقد اعتقادًا هو في الثقة به كالرؤية أنك {في ضلال} أي خطأ وذهاب عن الصواب، هو ظرف لك محيط بك {مبين} أي ظاهر في نفسه حتى كأنه يظهر ذلك لغيره. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم إنه تعالى حكى ما ذكره في قومه، فقال: {قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ} وقال المفسرون: {الملأ} الكبراء والسادات الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء، والدليل عليه أن قوله: {مِن قَوْمِهِ} يقتضي أن ذلك الملأ بعض قومه، وذلك البعض لابد وأن يكونوا موصوفين بصفة لأجلها استحقوا هذا الوصف، وذلك بأن يكونوا هم الذين يملؤن صدور المجالس، وتمتلئ القلوب من هيبتهم، وتمتلئ الأبصار من رؤيتهم، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، وهذه الصفات لا تحصل إلا في الرؤساء، وذلك يدل على أن المراد من الملأ الرؤساء والأكابر.
وقوله: {إِنَّا لَنَرَاكَ} هذه الرؤية لابد وأن تكون بمعنى الاعتقاد والظن دون المشاهدة والرؤية.
وقوله: {فِى ضلال مُّبِينٍ} أي في خطأ ظاهر وضلال بين، ولابد وأن يكون مرادهم نسبة نوح إلى الضلال في المسائل الأربع التي بينا أن نوحًا عليه السلام ذكرها، وهي التكليف والتوحيد والنبوة والمعاد. اهـ.

.قال السمرقندي:

{قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ} وهم الرؤساء والأجلة والأشراف، سموا بذلك لأنهم ملِئوا بما يحتاج إليه منهم، ويقال: لأنهم ملؤوا الناظر هيبة إذا اجتمعوا في موضع.
قالوا: {إِنَّا لَنَراكَ في ضَلاَلٍ مُبِينٍ} يعني: في خطأ بَيِّنٍ. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ} يعني الأشراف والسادة، وقال الفراء: هم الرجال ليست فيهم امرأة {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ} خطال وزوال عن الحق {مُّبِينٍ} يعني ظاهر. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ}.
{الملأ} الجماعة الشريفة، قال الطبري: لا امرأة فيهم، وحكاه النقاش عن ثعلب في الملأ والرهط والنفر والقوم، وقيل هم مأخوذون من أنهم يملؤون النفس والعين، ويحتمل أن يكون من أنهم إذا تمالؤوا على أمر تم، وقال سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري عند قفول رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر إنما قتلنا عجائز صلعًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أولئك الملأ من قريش لو حضرت أفعالهم لاحتقرت فعلك» والملأ صفة غالبة وجمعه أملاء وليس من باب رهط وإن كانا اسمين للجمع لأن رهط لا واحد له من لفظه، وملأ يوجد من لفظه مالئ قال أحمد بن يحيى: المالئ الرجل الجليل الذي يملأ العين بجهرته فيجيء كعازب وخادم ورائح فإن أسماء جموعها عرب وخدم وروح، وإن كان اللفظة من تمالأ القوم على كذا فهي مفارقة باب رهط ومنه قول علي رضي الله عنه: ما قتلت عثمان ولا مالأت في دمه، وقال ابن عباس الملؤ بواو وكذلك هي في مصاحف الشام، وقولهم لنراك يحتمل أن يجعل من رؤية البصر، ويحتمل من رؤية القلب وهو الأظهر و{في ضلال} أي في إتلاف وجهالة بما نسلك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين}.
قال ابن عطية قرأ ابن عامر الملو بالواو وكذلك هي في مصاحف أهل الشام انتهى وليس مشهورًا عن ابن عامر بل قراءته كقراءة باقي السبعة بهمزة ولم يجبه من قومه إلا أشرافهم وسادتهم وهم الذين يتعاصون على الرّسل لانغمار عقولهم بالدنيا وطلب الرئاسة والعلوّ فيهما.
ونراك الأظهر أنها من رؤية القلب، وقيل: من رؤية العين ومعنى {في ظلال مبين} أي في ذهاب عن طريق الصواب وجهالة بما تسلك بينة واضحة وجاءت جملة الجواب مؤكدة بأن وباللام وفي للوعاء فكان الضلال جاء ظرفًا له وهو فيه ولم يأتِ ضالًا ولا ذا ضلال. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ الملا مِن قَوْمِهِ}.
استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية قولِه عليه الصلاة والسلام كأنه قيل: فماذا قالوا له عليه الصلاة والسلام في مقابلة نصحِه؟ فقيل: قال الرؤساءُ من قومه والأشرافُ الذين يملأون صدورَ المحافل بإجرامهم والقلوبَ بجلالهم وهيبتِهم والأبصارَ بجمالهم وأُبّهتهم {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال} أي ذهاب عن طريق الحقِّ والصواب، والرؤيةُ قلبيةٌ ومفعولاها الضميرُ والظرفُ {مُّبِينٌ} بيّنٌ كونُه ضلالًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ}.
استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية قوله عليه السلام ونصحه لقومه كأنه قيل: فماذا قالوا بعد ما قيل لهم ذلك؟ فقيل: قال الخ.
والملأ على ما قال الفراء الجماعة من الرجال خاصة.
وفسره غير واحد بالأشراف الذين يملأون القلوب بجلالهم والأبصار بجمالهم والمجالس بأتباعهم، وقيل: سموا ملأ لأنهم مليون قادرون على ما يراد منهم من كفاية الأمور {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال} أي ذهاب عن طريق الحق، والرؤية قلبية ومفعولاها الضمير والظرف؛ وقيل: بصرية فيكون الظرف في موضع الحال {مُّبِينٌ} أي بين كونه ضلالًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
فُصلت جملة {قال} على طريقة الفصل في المحاورات، واقترن جوابهم بحرف التّأكيد للدّلالة على أنّهم حقّقوا وأكّدوا اعتقادهم أنّ نوحًا منغمس في الضّلالة.
{الملأ} مهموز بغير مدّ: الجماعةُ الذين أمْرُهم واحد ورأيهم واحد لأنّهم يُمالئ بعضهم بعضًا، أي يعاونه ويوافقه، ويطلق الملأ على أشراف القوم وقَادتهم لأنّ شأنهم أن يكون رأيهم واحدًا عن تشاور، وهذا المعنى هو المناسب في هذه الآية بقرينة {مِن} الدّالة على التّبعيض أي أنّ قادة القوم هم الذين تَصدّوا لمجادلة نوح والمناضلةِ عن دينهم بمسمع من القوم الذين خاطبَ جميعَهم، والرّؤية قلبيّة بمعنى العلم، أي أنّا لنوقن أنّك في ضلال مبين ولم يوصف الملأ هنا بالذين كفروا، أو بالذين استكبروا كما وصف الملأ في قصّة هود بالذين كفروا استغناء بدلالة المقام على أنّهم كذّبوا وكفروا.
وظرفية {في ضلال} مجازية تعبيرًا عن تمكّن وصف الضّلال منه حتّى كأنّه محيط به من جوانبه إحاطة الظرف بالمظروف.
والضّلال اسم مصدر ضَلّ إذا أخطأ الطّريق الموصّل، والمبين اسم فاعل من أبان المرادففِ بَان، وذلك هو الضّلال البالغ الغاية في البعد عن طريق الحقّ، وهذه شبهة منهم فإنّهم توهّموا أنّ الحقّ هو ما هم عليه، فلا عجب إذا جعلوا ما بَعُد عنه بعدا عظيمًا ضلالًا بيّنًا لأنّه خالفهم، وجاء بما يعُدّونه من المحال، إذْ نفَى الإلهيةَ عن آلهتهم، فهذه مخالفة، وأثبتها لله وحده، فإن كانوا وثنيين فهذه مخالفة أخرى، وتوعدهم بعذاب على ذلك وهذه مخالفة أيضًا، وإن كان العذاب الذي توعدهم به عذاب الآخرة فقد أخبرهم بأمر محال عندهم وهو البعث، فهي مخالفة أخرى، فضلاله عندهم مبينٌ، وقد يتفاوت ظهوره، وادّعى أنّ الله أرسله وهذا في زعمهم تعمد كذب وسفاهةُ عقل وادعاءُ محال كما حكي عنهم في قوله تعالى: {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنّا لنراك في سفاهة وإنّا لنظنّك من الكاذبين} [الأعراف: 66] وقوله هنا {أَوَ عجبتم أن جاءكم ذكر من ربّكم} [الأعراف: 63] الآية. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
والملأ هم سادة القوم وأعيانهم وأشرافهم، أو الذين يملأون العين هيئة ويملأون القلوب هيبة، ويملأون صدور المجالس بنية.
إنهم خائفون أن تكون دعوة نوح هي الدعوة إلى الطريق المستقيم وكلامه هو الهداية؛ فيمنّوا أنفسهم بأن هذا ضلال وخروج عن المنهج الحق: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي غيبة عن الحق، أو في تيه عن الحق، و{مبين} أي محيط بصورة لا يمكن النفاذ منها.
ويرد نوح عليه السلام: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {قَالَ المَلأ}.
قال ابن عطية: وقرأ ابن عامر: {المَلَؤُ} بواوٍ، وهي كذلك في مصاحفِ الشَّامِ، وهذه القراءةِ ليست مَشْهُورةٌ عنه قال المفسِّرُونَ: الملأ: الكبراء والسَّاداتُ الذين جعلَوا أنفسهم أضداد الأنبياء، ويدلُّ على ذلك قوله: {مِنْ قَوْمِهِ}؛ لأنَّهُ يقتضي التَّبْعِيضَ، وذلك البَعْضُ لابد وأن يكونوا موصوفين بِصِفَةٍ لأجلها استحقُّوا هذا الوَصْفَ بأن يكونوا هم الذين يملئون صدور المَجَالس، وتمتلئ القلوب من هَيْبَتِهِم، وتمتلىءُ الأبصارُ من رُؤيتهم، وهذه الصِّفاتُ لا تحصل إلا في الرُّؤسَاءِ.
قوله: {إنَّا لَنَرَاكَ} يجوزُ أن تكون الرُّؤيَةُ قلبية فتتعدى لاثنين ثانيهما {في ضلالِ}، وأن تكون البَصريَّة وليس بظاهر فالجارُّ حال، وجعل الضَّلالِ ظَرْفًا مبالغة في وصفهم له بذلكَ، وزادوا في المبالغة أكَّدثوا ذلك بأن صَدَّرُوا الجملة بإنَّ وفي خبرها اللاَّم. اهـ.